المحكمة الدستورية تقضى بعدم دستورية الرسوم المفروضة على العائمات السياحية – الحكم الصادر بعدم دستورية قرار وزير الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018 بشأن رسوم العائمات السياحية – عدم دستورية رسوم العائمات السياحية بحكم المحكمة الدستورية العليا رقم 16 لسنة 42 قضائية

الدعوى 16 لسنة 42 – دستورية – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية تم الحكم بتاريخ 2025/08/04
عرض الحكم:
عدم دستورية البندين (رابعًا وسابعًا) من المادة الثانية من قرار وزيــــــر الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018، المعدلين بالبندين (أولاً وثانيًا/ 1-2-3) من المادة الأولى من قرار وزير الموارد المائية والري رقم 357 لسنة 2019، فيما تضمناه من تحصيل رسوم، لم تفرض في حدود القانون، على رسو العائمات السياحية في المراسي العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني مــــن أغسطس سنة 2025م،
الموافق الثامن من صفر سنة 1447هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 16 لسنة 42 قضائية دستورية
المقامة من
1- شركة بلو سكاي للفنادق العائمة – المالكة للفندق العائم (سميراميس 1) و(سميراميس 2)
2- شركة المحروسة للبواخر العائمة – المالكة للفندق العائم (سميراميس 3) و(المحروسة)
3- الشركة السويسرية للفنادق العائمة – المالكة للفندق العائم (تيرامار)
4- الشركة المصرية السويسرية للفنادق العائمة – المالكة للفندق العائم (أفريكان كوين)
5- شركة تانيس للفنادق العائمة والسياحة النيلية – المالكة للفندق العائم (نايل سراي)
6- شركة بلو سكاي لفنادق بحيرة السد – المالكة للفندق (أفريكان دريمز)
7- شركة بلو سكاي للفنادق العائمة والمطاعم (مطعم حبيبة)
ضــد
1- رئيس مجلس الـــــــــــــــــــــــوزراء
2- وزير الموارد المائية والري
3- وزير الحكـــــــــــم المحلـــــــــــــــــي
4- محافــــــــــــــــــــظ الأقصــــــــــــــــــــــــــر
5- محافــــــــــــــــــــظ أســـــــــــــــــــــــــــــــــــوان
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من فبراير سنة 2020، أودعت الشركات المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية قرار وزير الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018 الصادر بتاريخ 9/8/2018.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن الشركات المدعية أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بالأقصر الدعوى رقم 632 لسنة 5 قضائية، ضد المدعى عليهم، طالبة الحكم: بوقف تنفيذ قرار وزير الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018 الصادر بتاريخ 9/8/2018، بشأن تعديل فئات مقابل الانتفاع بالأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف (منافع نهر النيل وفرعيه)، وفي الموضوع: بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وذكرت الشركات المدعية بيانًا لدعواها أنها تعمل في مجال الاستثمار السياحي بمدينة الأقصر، وتعد ضمن أكبر الشركات العاملة في المجال السياحي للفنادق العائمة والثابتة، وأن وزير الموارد المائية والري أصدر القرار سالف البيان بتعديل فئات مقابل الانتفاع بالأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف (منافع نهر النيل وفرعيه) الــواردة باللائحــة التنفيذيــة لقانــون الري والصــرف، الصـــادر بالقانـــون رقم 12 لسنة 1984، ناعية على هذا القرار الإجحاف بحقوقها والتأثير سلبًا على أهدافها ونشاطها؛ لما تملكه وتديره من فنادق عائمة وثابتة بدوائر عمل المدعى عليهم، فضلًا عن التأثيرات المالية لهذا القرار عليها بتحملها الرسوم المفروضة بموجبه. وحال نظر الدعوى، دفعت الشركات المدعية بعدم دستورية القرار المار ذكره. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه بشأن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، على سند من أن القرار المطعون فيه قد صدر استنادًا إلى توصيات اللجنة العليا لتراخيص نهر النيل وإشغالاته المشكلة بوزارة الموارد المائية والري من ممثلي الوزارات والمحافظات والجهات المعنية، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1383 لسنة 2005 بشأن حماية نهر النيل وشواطئه، التي لا تعدو أن تكون مجرد توصيات غير ملزمة، لا سند لها من أحكام القانون؛ ومن ثم لا تُعد تشريعًا موضوعيًّا مما تختص هذه المحكمة بالرقابة على دستوريتها، فمردود بأن الرقابة التي عهد الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بممارستها دون غيرها، تنحصر في القوانين أيًّا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها، متى تولدت عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود الصلاحيات التي ناطها الدستور بهــا. مـــتى كـــان ذلك، وكان القــرار المطعـــون فيـــه قد جاء متضمنًا قواعد تنظيمية عامة مجردة، تسري على المخاطبين بها فيما يتعلق بتعديل فئات مقابل الانتفاع بالأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف (منافع نهر النيل وفرعيه) الواردة باللائحة التنفيذية لقانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984، فإنه ينحل بهذه المثابة إلى تشريع بمعناه الموضوعي، على النحو الذي قصده الدستور والقانون؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا القرار يدخل في نطاق الرقابة التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح؛ مما يغدو معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا سنده، جديرًا بالالتفات عنه.
وحيث إن نص المادة الثانية من قرار وزير الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018 بشأن تعديل فئات مقابل الانتفاع بالأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف (منافع نهر النيل وفرعيه) باللائحة التنفيذية لقانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984، جرى على أن: مقابل الانتفاع شهري ويُحصل مقدمًا سنويًّا عن الأملاك العامة لمنافع مجرى نهر النيل وجسوره التي يصدر بها ترخيص من السلطة المختصة على النحو التالي:
………………………………………..
رابعًا: – شغل المنافع لغرض الرسو واستغلال المياه للعائمات السياحية:
يصرح للوحدات السياحية للرسو صف واحد فقط موازٍ للمجرى على أن لا يتجاوز رسو الوحدات طول المرسى المخصص.
1- داخل كردون مدن محافظات (القاهرة – الجيزة – الأقصر – أسوان):
يحصل مبلغ 15 جنيهًا للمتر المسطح شهريًّا من مساحة العائمة الثابتة أو المتحركة عن كل دور من العائمة كمقابل للانتفاع بالمياه وتحدد المساحة من واقع الرخص الملاحية.
2- داخل كردون باقي مدن ومحافظات الجمهورية على طول مجرى نهر النيل:
يحصل مبلغ 10 جنيهات للمتر المسطح شهريًّا من مساحة العائمة الثابتة أو المتحركة عن كل دور من العائمة كمقابل للانتفاع بالمياه وتحدد المساحة من واقع الرخص الملاحية.
3- خارج كردون المدن:
يحصل مبلغ 7 جنيهات للمتر المسطح شهريًّا من مساحة العائمة الثابتة أو المتحركة عن كل دور من العائمة كمقابل للانتفاع بالمياه وتحدد المساحة من واقع الرخص الملاحية.
يزاد فئات مقابل الانتفاع للصفوف التالية للصف الأول بنسبة قدرها (50٪) من فئات مقابل انتفاع الصف السابق.
يحصل رسم مقابل انتفاع بالمياه للذهبيات بمقابل 700 جنيه للذهبية يوميًا العاملة قبل القرار رقم 5/6 لسنة 2006.
……………………………………….
سابعًا: – شغل المنافع بغرض الرسو المؤقت للعائمات السياحية:
1- داخل كردون مدن محافظات (القاهرة – الجيزة – الأقصر – أسوان):
يحصل مبلغ 1500 جنيه يوميًّا للباخرة الواحدة.
2- داخل كردون باقي مدن ومحافظات الجمهورية على طول مجرى نهر النيل:
يحصل مبلغ 700 جنيه يوميًّا للباخرة الواحدة.
3- خارج كردون المدن:
يحصل مبلغ 400 جنيه للباخرة في اليوم الواحد.
……………………………….
وحيث إنه بتاريخ 30/10/2019، أصدر وزير الموارد المائية والري القرار رقم 357 لسنة 2019، المعمول به اعتبارًا من 30/11/2019، وبموجب البندين (أولًا وثانيًا/1-2-3) من المادة الأولى منه تم تعديل أحكام البندين (رابعًا وسابعًا) من المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 294 لسنة 2018 – القرار المطعون فيه – فيما يتعلق بشغل المنافع بغرض الرسو واستغلال المياه للعائمات السياحية، وشغل المنافع بغرض الرسو المؤقت للعائمات السياحية، وقد تضمنت المادة الرابعة من القرار المعدل اعتبار هذا القرار متممًا ومكملًا للقرار المطعون فيه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت الشركات المدعية تتوخى بدعواها الموضوعية إلغاء القرار الوزاري المطعون فيه بشأن تعديل فئات مقابل الانتفاع بالأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف (منافع نهر النيل وفرعيه) مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها براءة ذمتها وعدم التزامها بأداء المبالغ المالية المقررة به، للانتفاع بالمراسي العامة المنشأة على نهر النيل عن العائمات السياحية التي تمتلكها؛ ومن ثم فإن حسم أمر دستورية القرار الوزاري المار ذكره يكون لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي وذا أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة به وقضاء محكمة الموضوع فيها، وهو ما تتوافر معه المصلحة الشخصية المباشرة للشركات المدعية في الطعن على البندين (رابعًا وسابعًا) من المادة الثانية من قرار وزير الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018، المعدلين بالبندين (أولًا وثانيًا/1-2-3) من المادة الأولى من قرار وزير الموارد المائية والري رقم 357 لسنة 2019، فيما تضمناه من تكليف بأداء فريضة مالية على رسو العائمات السياحية في المراسي العامة، ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة في هذين البندين، وتعديلهما، دون سواهما من نصوص قرار وزير الموارد المائية والري المطعون عليه.
وحيث إن الشركات المدعية تنعى على النصوص المطعون فيها –في النطاق المحدد سلفًا– مخالفتها لأحكام المواد (27 و38 و94) من الدستور، على سند مما تضمنته من مغالاة في فرض الرسوم وتجاوزها المقدرة التكليفية للمخاطبين بأحكامها، وإخلالها بالالتزامات التي فرضها الدستور من دعم محاور التنافسية وتشجيع الاستثمار والاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، فضلًا عن افتقادها السند القانوني وعدم اختصاص وزير الموارد المائية والري بإصدارها.
وحيث إن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يُرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها؛ ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو، بحسبانه عماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوي على قمة البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة غايتها أن ترد إلى قواعد الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون فيها –سواء أقرتها السلطة التشريعية أو أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها– وسبيلها إلى ذلك أن تفصل بأحكامها النهائية في الطعون الموجهة إليها شكلية كانت أو موضوعية، وبديهي أن يكون استيثاقها من استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية سابقًا على فحصها لها من الناحية الموضوعية.
وحيث إن الدستور الحالي قد مايز بنص المادة (38) منه بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية؛ فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون، وكان ذلك مؤداه أن المشرع الدستوري بهذه التفرقة في الأداة قد جعل من القانون وسيلة وحيدة ومصدرًا مباشرًا بالنسبة للضرائب العامة؛ فالسلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، وتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها وتفصيل ما يتصل ببنيانها، وذلك على تقدير أن الضريبة العامة هي فريضة مالية يلتزم الشخص بأدائها للدولة مساهمة منه في التكاليف والأعباء والخدمات العامة، دون أن يعود عليه نفع خاص من وراء التحمل بها، بما ينطوي عليه ذلك من تحميل المكلفين بها أعباء مالية تقتطع من ثرواتهم تبعًا لمقدرتهم التكليفية؛ ومن ثم فإنه يتعين تقريرها بموازين دقيقة ولضرورة تقتضيها، وهو ما ارتبط من الناحية التاريخية بوجود المجالس التشريعية ورقابتها للسلطة التنفيذية، ومن هنا كان القانون هو وحده وسيلة فرضها.
أما بالنسبة للفرائض والأعباء المالية الأخرى، ومن بينها الرسوم التي تستأدى جبرًا مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضًا عن تكلفتها، وإن لم يكن بمقدارها، فقد سلك الدستور في شأنها مسلكًا وسطًا بأن أجاز للسلطة التشريعية أن تفوض السلطة التنفيذية في تنظيم أوضاعها، ولكنه لم يشأ أن يكون هذا التفويض مطلقًا وإنما مقيدًا بالقيود التي حددها الدستور ذاته، وأخصها أن تكون في حدود القانون، أي أن يحدد القانون حدودها وتخومها ويشي بملامحها، مبينًا العريض من شئونها، فلا يحيط بها في كل جزئياتها، وإنما يكون تفويض السلطة التنفيذية في استكمال ما نقص من جوانبها، فالقانون هو الذي يجب أن يحدد نوع الخدمة التي يحصَّل عنها الرسم وحدوده القصوى التي لا يجوز تخطيها بأن يبين حدودًا لها، حتى لا تنفرد السلطة التنفيذية بهذه الأمور، على خلاف ما أوجبه الدستور من أن يكون تفويضها في فرض هذه الرسوم في حدود القانون الذي يتولى إقراره مجلس النواب القائم على سلطة التشريع، وفق ما تنص عليه المادة (101) من الدستور.
وحيث إن القيود التي قيد بها الدستور السلطة التشريعية في تفويضها للسلطة التنفيذية في شأن الفرائض المالية الأخرى غير الضريبة العامة، تتفق وكون هذه الفرائض مصدرًا لإيرادات الدولة، ووسيلة من وسائل تدخلها في التوجيه الاقتصادي والاجتماعي؛ تأكيدًا لإتاحة الفرص المتكافئة للحصول على الخدمات العامة التي تؤديها الدولة، وحتى لا تكون الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خدمات حقيقية يحصل عليها من يدفعها، ولا يتأتي ذلك كله إلا بمسلك متوازن من المشرع لا يكتفي فيه بمجرد إقرار مبدأ فرض الرسم، وإنما يتم تحديده في نطاق السياسة المالية التي تنتهجها السلطة التشريعية في مجال تحديد الإيرادات وضبط الإنفاق، وكفالة تقديم الخدمات التي تلتزم بها الدولة على أساس من العدل الاجتماعي. ولا يتنافى ذلك مع المرونة اللازمة في فرض الرسوم لمجابهة الظروف المتغيرة في تكاليف أداء الخدمة، ما دام فرضها أو تعديلها لا يكون بقانون في كل حالة على حدة، وإنما يتم ذلك في حدود القانون، أي بقرار من السلطة التنفيذية يقع في دائرة السلطة المقيدة ولا يتجاوز نطاق التفويض الممنوح من المشرع.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في اللوائح التنفيذية التي تصدر وفقًا لنص المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971 –وتقابلها المادة (170) من دستور 2014– أنها تُفصّل ما ورد إجمالاً في نصوص القانون بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وأن الغرض من صدور اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في إتمام القانون، أي وضع القواعد والتفاصيل اللازمة لتنفيذه مع الإبقاء على حدوده الأصلية بلا أدنى مساس، ودون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء لأحكامه، أو أن تضيف إليه أحكامًا تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مُصدرها الاختصاص الدستوري المخول له، متعديًا على السلطة التشريعية. كما أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسًا على إعمال القوانين، وتنفيذها، غير أنه استثناءً من هذا الأصل وتحقيقًا لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها، في حالات محددة، بأعمال تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، من ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، فنصت المادة (170) من الدستور الحالي على أن يصدر رئيس مجلس الوزراء اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعطيل، أو تعديل، أو إعفاء من تنفيذها؛ وله أن يفوض غيره في إصدارها، إلا إذا حدد القانون من يصدر اللوائح اللازمة لتنفيذه؛ ومن ثم لا يدخل في اختصاصها ذلك توليها ابتداء تنظيم مسائل خلا القانون من بيان الإطار العام الذي يحكمها، وإلا كان ذلك تشريعًا لأحكام جديدة لا يمكن إسنادها إلى القانون، وليست تفصيلًا لأحكام أوردها المشرع في القانون إجمالًا، بما يُخرج اللائحة –عندئذ– عن الحدود التي عينها الدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنها لا تتقيد، وهي بصدد رقابتها على دستورية التشريعات، بالوصف الذي يخلعه المشرع على القواعد التي يسنها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف.
لما كان ما تقدم، وكانت الفريضة المالية المقررة بمقتضى البندين اللذين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى، تقابلها خدمة فعلية من طبيعة إدارية تتمثل في رسو العائمات السياحية بالمراسي العامة التي تنشئها وزارة الموارد المائية والري، واستغلال المياه بها، وهى خدمة تقدم لمن يطلبها، ويتحمل مقابلها، ولا يختلف مقدارها في مواجهة أي منهم، فإنها بذلك تدخل في مفهوم الرسوم من الناحية الدستورية، مما يترتب عليه خضوع تلك الفريضة المالية للقواعد والإجراءات اللازم اتباعها لتقرير الرسوم، وتستقيم صحتها بأن يكون تقريرها صادرًا عن الجهة المنوط بها ذلك في حدود القانون، الأمر الذي يباعد بين هذه الفريضة المالية، وبين مفهوم مقابل الانتفاع الذي أطلقه البندان اللذان تحدد بهما نطاق الدعوى بشأن هذه الفريضة.
وحيث إن المادة الثالثة من القانون رقم 12 لسنة 1984، بإصدار قانون الري والصرف، ناطت بوزير الموارد المائية والري إصدار اللوائح والقرارات المنفذة للقانون؛ فنصت على أن يعتمد وزير الأشغال العامة والموارد المائية القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون والإجراءات التي تتبع أمام اللجان المنصوص عليها فيه خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به، وإلى أن تصدر هذه القرارات يستمر العمل باللوائح والقرارات المعمول بها حاليًّا فيما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.
متى كان ما تقدم، وكان البين من ديباجة قرار وزير الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018 – في النطاق المحدد سلفًا – أنه قد صدر استنادًا إلى قانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984، الذي خلا من حكم بفرض رسوم على الرسو الشهري والمؤقت واستغلال المياه للعائمات السياحية بالمراسي العامة، مستحدثًا بذلك أحكامًا بغير سند من القانون، مخالفًا الضوابط التي أوجب الدستور تقيد اللائحة التنفيذية بها، بما لا يعدو أن يكون إلا انتحالاً لاختصاص مقرر للسلطة التشريعية واغتصابًا لسلطاتها في هذا المجال، بما مؤداه مخالفة البندين اللذين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى للمواد (38 و101 و170) من الدستور.
وحيث إن مقتضى حكم المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 – هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر، إلا إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخًا آخر لسريانه. لما كان ذلك، وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية البندين المقضي بعدم دستوريتهما مؤداه رد المبالغ السابق تحصيلها من الملتزمين بأدائها عن رسو العائمات السياحية بالمراسي العامة والانتفاع بالمياه خلال مدة سريان هذين البندين، وهو ما يؤدي – حال إعمال الأثر الرجعي – إلى تحميل الدولة بأعباء مالية إضافية، ومن ثم فإن المحكمة تُعمل الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها المار ذكره، وتحدد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال آثاره، دون إخلال باستفادة الشركات المدعية من الحكم.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية البندين (رابعًا وسابعًا) من المادة الثانية من قرار وزيــــــر الموارد المائية والري رقم 294 لسنة 2018، المعدلين بالبندين (أولاً وثانيًا/ 1-2-3) من المادة الأولى من قرار وزير الموارد المائية والري رقم 357 لسنة 2019، فيما تضمناه من تحصيل رسوم، لم تفرض في حدود القانون، على رسو العائمات السياحية في المراسي العامة.
ثانيًا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال آثاره.
ثالثًا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
أمين السر رئيس المحكمة
 
				



